أسباب الإعراض عن ذكر الله

أسباب الإعراض عن ذكر الله:

يعدّ ذكر الله من أعظم العبادات التي أمرنا بها في الدين الإسلامي، وهو ما يحفظ للمؤمن الاتصال الدائم بالرب، ويشع في قلبه نورًا يضيء حياته، ويُغني روحه عن أية شهوات دنيوية قد تلهيه عن غاية وجوده. مع ذلك، يعاني العديد من المسلمين من الإعراض عن ذكر الله في حياتهم اليومية، وهو ما يتجسد في التراجع عن ممارسة هذه العبادة أو التقاعس عنها. يبرز في هذا السياق السؤال عن الأسباب التي تدفع البعض إلى الإعراض عن ذكر الله، وهذا ما سيتم تسليط الضوء عليه في هذا المقال من خلال تناول مختلف الجوانب النفسية، الاجتماعية، والروحية التي تساهم في هذا الإعراض.

1. الاستغراق في الدنيا ومتاعها:

من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى الإعراض عن ذكر الله هو الانغماس في متاع الدنيا وشهواتها. فالانشغال بمطالب الحياة اليومية، مثل العمل، والعلاقات، والمال، والترفيه، يجعل المؤمن ينسى أو يتناسى الذكر. إن الحياة المعاصرة قد تكون مليئة بالضغوطات النفسية والاجتماعية التي تجذب الإنسان بعيدًا عن روحانيتها وتجعله يغرق في همومها دون أن يتوقف ليتذكر الله. هذا الاستغراق في الدنيا يؤدي إلى قسوة القلب، وبتالي يصعب على الشخص الاستجابة لدعوة الله للذكر.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” (العنكبوت: 64). تشير هذه الآية إلى أنه عندما ينشغل الناس بالأمور الدنيوية، يبتعدون عن الغاية الحقيقية للوجود، ألا وهي عبادة الله.

2. ضعف الوازع الديني:

الوازع الديني هو الذي يحث الإنسان على الالتزام بتعاليم الدين ويفتح أمامه باب الخشوع والطاعة لله. في حالات معينة، قد يعاني البعض من ضعف هذا الوازع نتيجة للظروف التي يمرون بها في حياتهم، مثل الابتلاءات أو الأزمات النفسية، مما قد يترجم إلى ضعف في أداء العبادات، ومنها ذكر الله.

كما أن غياب التربية الدينية الصحيحة منذ الصغر أو التلقّي السطحي للمفاهيم الدينية، قد يؤدي إلى إضعاف هذا الوازع. الشخص الذي يفتقر إلى فهم عميق لمعنى الذكر وفضائله لن يلتزم به، بل سيعتقد أنه لا حاجة له أو أن هناك ما هو أهم. لذا فإن تربية الأبناء على حب الله وتذكره، وتوجيههم نحو العبادة، يعد من الأمور الأساسية لخلق مجتمع متدين يحب ذكر الله.

3. الوساوس الشيطانية:

الشيطان يعمل بكل جهده ليحرف المؤمنين عن طريق الحق ويمنعهم من أداء العبادات. ومن أساليب الشيطان في إبعاد الإنسان عن ذكر الله، أنه يثير في قلبه الوساوس التي تشوش على تفكيره وتجعله يعتقد أن الذكر ليس ذا أهمية أو أنه لا حاجة له في حياته. كما أن الشيطان قد يزين له إغفال الذكر بالتشويش الذهني أو إقناعه بأن لديه أشياء أهم يجب أن يفكر فيها.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزِغُ بَيْنَهُمْ” (النساء: 91)، مما يعني أن الشيطان يسعى دائمًا للتفريق بين المؤمنين ويزرع في نفوسهم الشكوك والوساوس التي تمنعهم من التقرب إلى الله، وبالتالي يصعب عليهم المواظبة على الذكر.

4. الركون إلى الكبرياء والاعتداد بالنفس:

من الأسباب الأخرى التي تساهم في الإعراض عن ذكر الله هو اعتقاد بعض الأشخاص بأنهم لا يحتاجون إلى تذكر الله أو طلب المغفرة منه. قد يظهر هذا الشعور في الأشخاص الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من المال أو المكانة الاجتماعية أو العلم، حيث يظنون أن هذا النجاح يعفيهم من الحاجة إلى الله. قد يؤدي هذا الشعور إلى الغفلة عن ذكر الله، وعدم تقدير أهمية الذكر في حياتهم.

وفي الحقيقة، يُظهر القرآن الكريم أن جميع البشر بحاجة إلى الله في كل لحظة من لحظاتهم، وأنه لا غنى للإنسان عن الله مهما بلغ من نجاح. يقول الله تعالى في كتابه: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ” (فاطر: 15)، هذه الآية تذكرنا بأننا جميعًا بحاجة إلى الله في كل وقت، وأن النجاح الدنيوي لا يمكن أن يعوض عن الحاجة إلى الله في جوانب حياتنا المختلفة.

5. تأثير الأصدقاء والبيئة المحيطة:

البيئة التي يعيش فيها الإنسان تلعب دورًا كبيرًا في تحديد سلوكياته وعاداته. إذا كان الشخص يعيش في بيئة يتجاهل فيها الناس ذكر الله، أو يستهزئون بالعبادات الدينية، قد يؤثر ذلك على سلوكه بشكل سلبي. كما أن الأصدقاء الذين لا يشجعون على الذكر أو لا يمارسونه في حياتهم قد يسهمون في إبعاد الشخص عن هذه العبادة.

القرآن الكريم حذرنا من أن يكون الإنسان تابعًا للآخرين في غير صالحه، فقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ” (النور: 21)، وبالتالي فإنه من المهم اختيار الأصدقاء الذين يعينوننا على ذكر الله ويشجعوننا على طاعته.

6. الكسل والتراخي في العبادة:

التكاسل في أداء العبادات بشكل عام، وذكر الله بشكل خاص، من الأسباب التي تجعل المؤمن يتراجع عن ذكر الله. مع مرور الوقت، قد يصبح الشخص معتادًا على ترك الذكر، ومن ثم يتراكم عليه الكسل الذي يؤدي إلى تراجعه عن هذه العبادة العظيمة. قد يظن البعض أن ذكر الله ليس إلا نشاطًا إضافيًا يمكنهم الاستغناء عنه، أو أنهم لا يشعرون بأي تأثير إيجابي في حياتهم بسبب الذكر.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُبارك له في عمره فليصل رحمه” (رواه البخاري). من خلال هذا الحديث، نعلم أن العبادة والذكر هما مفتاح لفتح أبواب الرزق والبركة، وبالتالي فإن الابتعاد عنهما يعود بالضرر على الشخص.

7. الجهل بعظمة فضل الذكر:

أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الإعراض عن ذكر الله هو الجهل بعظمة هذا الفعل وأثره الكبير في حياة المؤمن. قد يجهل البعض أن الذكر ليس مجرد ترديد للكلمات، بل هو عبادة تؤثر على القلب والنفس، وتعزز الإيمان، وتبعث الطمأنينة في القلوب. على المسلم أن يعلم أن ذكر الله هو الطريق إلى الجنة، وهو سلاحه في مواجهة الصعوبات والابتلاءات.

يقول الله تعالى في كتابه: “فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ” (البقرة: 152)، أي أن الله يذكر عباده الذين يذكرونه، وأن ذكر الله يعود على العبد بالخير الكثير في الدنيا والآخرة.

8. الانشغال بالفتن والشهوات:

المجتمع المعاصر مليء بالفتن والشهوات التي تسحب المؤمن بعيدًا عن ذكر الله. هذه الفتن قد تأتي في صورة وسائل الإعلام، التي تروج للمشاهد الإباحية أو الإعلانات المضللة، مما يجعل الشخص ينشغل بما لا ينفع، ويبتعد عن الذكر والتذكر. إضافة إلى ذلك، قد تصرف الشهوات مثل حب المال، الجمال، أو السلطة الشخص عن الله، وتجعله يظن أن تحقيق هذه الأشياء هو الهدف الأسمى.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من كانت الآخرة همّه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة” (رواه الترمذي). هذه النصيحة النبوية تبرز أهمية التركيز على الآخرة وذكر الله، فهي الطريق إلى سعادة الإنسان وهناءته.

الخاتمة:

الإعراض عن ذكر الله ليس أمرًا عارضًا، بل هو ظاهرة تعكس مشكلات أعمق تتعلق بالروح والمجتمع. لذلك، فإن العمل على تجنب هذه الأسباب والعودة إلى الذكر هو الطريق الأمثل لاستعادة التواصل الروحي مع الله، ولتحقيق حياة مليئة بالسكينة والطمأنينة.